للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما عبد الله بن أبىّ فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوّجوه ثم يملّكوه عليهم، فجاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك، فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرّا على نفاق. وقد روى عن [أسامة ابن زيد «١» ] بن حارثة قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة يعوده من شكوى أصابته، على حمار عليه إكاف فوقه قطيفة فدكية مختطمة بحبل من ليف، وأردفنى صلى الله عليه وسلم خلفه، قال: فمر بعبد الله بن أبىّ بن سلول، وهو فى ظلّ مزاحم «٢» أطمه، وحوله رجال من قومه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تذمّم «٣» من أن يجاوزه حتى ينزل، فنزل فسلّم ثم جلس فتلا القرآن، ودعا إلى الله عزّ وجلّ، وذكّر بالله وحذّر وبشّر وأنذر، قال: وهو زامّ «٤» لا يتكلم، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته، قال: يا هذا، إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقّا، فاجلس فى بيتك فمن جاءك له فحدّثه إياه، ومن لم يأتك فلا تغشه به، ولا تأته فى مجلسه بما يكره منه. فقال عبد الله بن رواحة فى رجال كانوا عنده من المسلمين: بلى فاغشنا به وأتنا فى مجالسنا ودورنا وبيوتنا، فهو والله ما نحبّ، وما أكرمنا الله به وهدانا له، فقال عبد الله حين رأى من خلاف قومه ما رأى:

متى ما يكن مولاك خصمك لم تزل ... تذلّ ويصرعك الذين تصارع

وهل ينهض البازى بغير جناحه ... وإن جذّ يوما ريشه فهو واقع

قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على سعد بن عبادة وفى وجهه ما قال عدوّ الله، فقال سعد: والله يا رسول الله، إنى لأرى فى وجهك شيئا؛ لكأنك