وأمّا مخيريق- قال ابن إسحاق: كان حبرا عالما، وكان غنيا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد فى علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك، حتى إذا كان يوم أحد وهو يوم السبت، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أنّ نصر محمد عليكم لحقّ؛ قالوا: إنّ اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت فى هذا اليوم فأموالى لمحمد يصنع فيها ما أراه الله؛ فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكى يقول:«مخيريق خير يهود» ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله، فعامّة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها.
قال: وكان مما أنزل الله تعالى فى أمر اليهود صدرا من سورة البقرة، من ذلك قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)
«١» أى إنهم قد كفروا بما عندك من ذكر لهم، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق لك، فقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم مما جاءهم به غيرك، فكيف يستمعون منك إنذارا أو تحذيرا! وقوله:(خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)
أى عن الهدى لن يصيبوه أبدا، (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)