وعن سفيان قال: قال عيسى عليه السلام: «إيّاكم والنظر! فإنّه يزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة!» .
وقال الحسن البصرىّ: من أطلق طرفه، أطال أسفه.
وقال ذو النون: اللّحظات تورث الحسرات: أوّلها أسف، وآخرها تلف. فمن تابع طرفه، تابع حتفه.
وقال حكيم: أوّل العشق النظر، وأوّل الحريق الشّرر.
وقال أبو الفرج بن الجوزىّ: البصر صاحب خبر القلب. ينقل إليه أخبار المبصرات، وينقش فيه صورها، فيجول الفكر فيها فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه من أمر الآخرة. فاحذر من شر النظر! فكم أهلك من عابد، وفسخ عزم زاهد! وهو سبب الآفات، إلا أن علاجه في بدايته قريب. فإذا كرر تمكن الشرّ فصعب علاجه. فإن النظرة إذا أثّرت في القلب، فإن أعجل الحازم بغضها وحسم المادّة من أوّلها سهل علاجه، وإن كرر النظر نقّب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب متفرّغ ونقشها فيه. فكلما تواصلت النظرات كانت كالمياه تسقى بها الشجرة، فلا تزال تنمو فيفسد القلب، ويعرض عن الفكر فيما أمر به، ويخرج بصاحبه الى المحن، ويوجب ارتكاب المحظورات، ويلقى في التلف.
وقد أكثر الشعراء في وصف ما يحدثه النظر من البلايا، فمن ذلك، قول الفرزدق:
تزوّد منها نظرة لم تدع له ... فؤادا، ولم يشعر بما قد تزوّدا.
فلم أر مقتولا ولم أر قاتلا ... بغير سلاح مثلها حين أقصدا.