قال محمد بن سعد فى طبقاته: ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ من أحد، فصلى المغرب بالمدينة، وشمت عبد الله بن أبىّ بن سلول والمنافقون بما نيل من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى نفسه وأصحابه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لن ينالوا منّا مثل هذا اليوم حتى نستلم الرّكن. قال: وبكت الأنصار على قتلاهم، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البكاء فبكى، وقال:
لكنّ حمزة لا بواكى له، فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بنى عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزّمن، ثم يذهبن فيبكين على عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكاءهنّ على حمزة خرج عليهنّ وهنّ على باب مسجده يبكين، فقال: ارجعن يرحمكنّ الله، فقد آسيتنّ بأنفسكن.
ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [يومئذ «١» ] عن النوح.
وروى عن سعد بن أبى وقّاص رضى الله عنه، قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بامرأة من بنى دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبيّن؛ قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؛ قال: فأشير لها إليه صلّى الله عليه وسلّم، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل؛ رضى الله عنها.
ولما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة كانت فاطمة- رضى الله عنها- تغسل جرحه؛ وعلىّ يسكب الماء عليها بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدّم إلا كثرة، عمدت إلى قطعة من حصير فأحرقتها، وألصقت ذلك على الجرح فاستمسك الدّم، ولم يبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة إلا تلك.