وذلك أنه لما قتل عبد الله بن قمئة مصعب بن عمير، وصرخ صارخ- يقال: هو إبليس، لعنه الله- ألا إن محمدا قد قتل. وانهزم الناس، فقال بعض المسلمين: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبىّ فيأخذ لنا أمانا من بنى أبى سفيان. وجلس بعض الصحابة وألقوا «١» بأيديهم. وقال أناس من أهل النفاق: إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الأوّل. فقال أنس بن النضر: يا قوم، إن كان قد قتل محمد فإن ربّ محمد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه؛ ثم قال: اللهم إنى أعتذر إليك مما قال «٢» هؤلاء- يعنى المسلمين- وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء- يعنى المنافقين- ثم قاتل حتى قتل. ثم إن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- انطلق إلى الصخرة، وهو يدعو الناس، فانحدر إليه طائفة من أصحابه، فلامهم صلّى الله عليه وسلّم على الفرار، فقالوا: يا نبىّ الله، فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا الخبر بأنك قتلت فرعبت «٣» قلوبنا فولّينا مدبرين. فأنزل الله تعالى:«وما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات» أى على فراشه «أو قتل انقلبتم على أعقابكم» أى رجعتم إلى دينكم الأوّل الكفر «ومن ينقلب على عقبيه» فيرتدّ عن دينه «فلن يضرّ الله شيئا» بارتداده، وإنما يضرّ نفسه «وسيجزى الله الشّاكرين» أى المؤمنين.