وسلّم، وجاءه فى صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحى، فجاء جبريل حتى دخل بينهما، فدفعه بيده دفعة هينة، فوقع من دفعة جبريل إلى أقصى الهند. فقال الأبيض لإبليس: أنا أكفيك. فانطلق فتزيّن بزينة الرهبان، وحلق وسط رأسه، ثم مضى حتى أتى صومعة برصيصا، فناداه، فلم يجبه برصيصا، وكان لا ينفتل عن صلاته إلا فى عشرة «١» أيام، ولا يفطر إلا فى عشرة أيام، فكان يواصل الصوم الأيام العشرة والعشرين والأكثر، فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة فى أصل صومعته، فلما انقتل برصيصا اطلع من صومعته، فرأى الأبيض قائما منتصبا يصلى فى هيئة حسنة من هيئة الرهبان، فلما رأى ذلك من حاله تدبر فى نفسه حين لهى عنه فلم يجبه، فقال له: إنك ناديتنى وكنت مشغولا عنك، فحاجتك «٢» ؟ قال:
حاجتى أنى أحببت أن أكون معك فأتأدّب بك، وأقتبس من علمك، ونجتمع على العبادة، فتدعو لى وأدعو لك؛ قال: إنى لفى شغل عنك، فإن كنت مؤمنا فإن الله عز وجل سيجعل لك فيما أدعوه للمؤمنين والمؤمنات نصيبا إن استجاب لى.
ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض، فأقبل الأبيض يصلى، فلم يلتفت إليه برصيصا أربعين يوما بعدها، فلما انفتل رآه قائما يصلى، فلما رأى برصيصا شدّة اجتهاده، وكثرة تضرعه وابتهاله إلى الله عز وجل كلّمه، وقال له: حاجتك؟ قال: حاجتى أن تأذن لى فأرتفع إليك. فأذن له، فارتفع فى صومعته، فأقام الأبيض معه حولا يتعبد، لا يفطر إلا فى كل أربعين يوما [ولا ينفتل عن صلاته إلا فى كل أربعين يوما «٣» ] مرة، وربما مدّ إلى الثمانين؛ فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت «٤» إليه نفسه، وأعجبه شأنه، فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا: إنى منطلق، فإن لى صاحبا