من كان قبلنا إلا من قد علمت، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ؛ قال: ما بات منكم رجل منذ ولدته أمّه ليلة [واحدة «١» ] من الدهر حازما. ثم بعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ابعث إلينا أبا لبابة «٢» بن عبد المنذر لنستشيره فى أمرنا؛ فأرسله إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش «٣» إليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه، فرقّ لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم. وأشار بيده إلى حلقه، أى إنه الذبح، قال أبو لبابة: فو الله ما زلّت «٤» قدماى من مكانهما حتى عرفت أنى قد خنت الله ورسوله. ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى ارتبط فى المسجد إلى عمود من عمده، وقال:
لا أبرح مكانى هذا حتى يتوب الله علىّ. قال: فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبره وكان قد استبطأه قال: أما لو كان جاءنى لأستغفرت له، فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذى أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه. فأنزل الله تعالى فيه:(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
. قالت أم سلمة رضى الله عنها: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من السّحر وهو يضحك، فقلت: ممّ تضحك أضحك الله سنك يا رسول الله؟.
قال: تيب على أبى لبابة. قالت: فقلت: أفلا أبّشره يا رسول الله؟ قال:
بلى، إن شئت. فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهنّ الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. قالت: فثار الناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله، حتى يكون رسول الله هو الذى يطلقنى بيده؛ فلما مرّ عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.