للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى أبو الفرج، عبد الرحمن بن على بن محمد بن الجوزىّ في كتابه المترجم ب «ذمّ الهوى» بسند رفعه إلى هشام بن عروة، قال: أذن معاوية بن أبى سفيان يوما للناس، فكان فيمن دخل عليه فتى من بنى عذرة. فلما أخذ الناس مجالسهم، قام الفتى العذرىّ بين السماطين فأنشأ يقول:

معاوى، يا ذا الفضل والحلم والعقل ... وذا البرّ والإحسان والجود والبذل!

أتيتك لمّا ضاق في الأرض مسكنى ... وأنكرت مما قد أصبت به عقلى.

ففرّج- كلاك الله- عنّى فإننى ... لقيت الذى لم يلقه أحد قبلى!

وخذ لى- هداك الله- حقّى من الذى ... رمانى بسهم كان أهونه قتلى!

وكنت أرجّى عدله إن أتيته ... فأكثر تردادى مع الحبس والكبل!

سبانى سعدى وانبرى لخصومتى ... وجار ولم يعدل وغاصبنى أهلى.

فطلّقتها من جهد ما قد أصابني! ... فهذا أمير المؤمنين من العدل؟

فقال معاوية: أدن بارك الله عليك! ما خطبك؟ فقال: أطال الله بقاء أمير المؤمنين! إننى رجل من بنى عذرة، تزوّجت ابنة عمّ لى. وكانت لى صرمة من الإبل وشويهات فأنفقت ذلك عليها، فلما أصابتنى نائبة الزمان وحادثات الدهر، رغب عنى أبوها.

وكانت جارية فيها الحياء والكرم، فكرهت مخالفة أبيها. فأتيت عاملك مروان بن الحكم مستصرخا به راجيا لنصرته. فذكرت له قصتى، فأحضر أباها وسأله عن قضيتى. وكان قد بلغه جمالها، فدفع لأبيها عشرة آلاف درهم، وقال له: هذه لك، وزوّجنى بها وأنا أضمن خلاصها من هذا الأعرابىّ! فرغب أبوها في البذل فصار الأمير لى خصما وعلىّ منكرا! فانتهرنى وأمر بى إلى السجن وأرسل إلىّ أن أطلقها فلم أفعل. فحبسنى وضيق علىّ وعذبنى بأنواع العذاب، فلما أصابنى مسّ الحديد وألم العذاب ولم أجد