ويخلوا بينى وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «١» ، فو الله لأقاتلنهم على أمرى هذا حتى تنفرد سالفتى، أو لينفذنّ الله أمره. قال بديل: سنبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا؛ فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا فى أن تحدثنا عنه بشىء؛ وقال ذوو الرأى منهم:
هات كما سمعته يقول؛ قال: سمعته يقول كذا وكذا. فحدثهم بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقال لهم: إنه لم يأت لقتال، وإنما جاء زائرا لهذا البيت. فاتهموه وجبهوه «٢» وقالوا: إن كان جاء ولا يريد قتالا فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا، ولا يحدّث «٣» بذلك عنا العرب؛ ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف أخا بنى عامر ابن لؤىّ، فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا قال: هذا رجل غادر.
وفى رواية:«فاجر» . فلما انتهى إليه وكلمه قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نحوا مما قال لبديل بن ورقاء وأصحابه، فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال النبى صلّى الله عليه وسلّم، ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زيّان «٤» ، وكان يومئذ سيّد الأحابيش، وهو أحد بنى الحارث بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: هذا من قوم يتألّهون «٥» ، فابعثوا الهدى فى وجهه حتى يراه. فلما رأى الهدى يسيل «٦» عليه من عرض الوادى فى قلائده، قد أكل أو باره «٧» من طول الحبس عن محلّه «٨» رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إعظاما