للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد ساق ابن الجوزى في كتابه من أخبار العشاق وما نالهم من الأمراض والجنون والضنا، وقصّ كثيرا من أخبارهم، تركنا إيراد ذلك رغبة في الاختصار، لأنه أمر غير منكور.

وأما من خاطر بنفسه وألقاها إلى الهلاك لأجل محبوبه، فمن ذلك ما روى عن أبى ريحانة أحد حجاب عبد الملك بن مروان أنه قال: كان عبد الملك يجلس يومين في الأسبوع جلوسا عامّا للناس: فبينا هو جالس في مستشرف له وقد ادخلت عليه القصص، إذ وقعت في يده قصّة غير مترجمة. فيها:

«إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر جاريته فلانة تغنينى ثلاثة أصوات ثم ينفذ فىّ ما شاء من حكمه، فعل!» .

فاستشاط من ذلك غضبا وغيظا، وقال: يا رباح! علىّ بصاحب هذه القصة! فخرج الناس جميعا فأدخل عليه غلام كما عذّر، من أحسن الفتيان، فقال له عبد الملك:

يا غلام، هذه قصتك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: وما الذى غرّك منّى؟ والله لأمثلنّ بك ولأردعنّ بك نظراءك من أهل الجسارة! ثم قال: علىّ بالجارية فجىء بها كأنها فلقة قمر! وبيدها عودها ووضع لها كرسىّ، فجلست، فقال عبد الملك: مرها يا غلام! فقال لها: يا جارية، غنينى بشعر قيس بن ذريح:

لقد كنت حسب النفس، لو دام ودنا؛ ... ولكنما الدنيا متاع غرور!

وكنّا جميعا قبل أن يظهر الهوى ... بأنعم حالى غبطة وسرور.

فما برح الواشون حتّى بدت لنا ... بطون الهوى مقلوبة لظهور.