للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فغنّت. فخرج الغلام من جميع ما كان عليه من الثياب تخريقا، ثم قال له عبد الملك: مرها تغنك الصوت الثانى! فقال: غنينى بشعر جميل:

ألا ليت شعرى! هل أبيتنّ ليلة ... بوادى القرى؟ إنى إذا لسعيد!

إذا قلت: ما بى يا بثينة قاتلى ... من الحبّ! قالت: ثابت ويزيد!

وإن قلت: ردّى بعض عقلى أعش به ... مع الناس! قالت: ذاك منك بعيد!

فلا أنا مردود بما جئت طالبا، ... ولا حبّها فيما يبيد يبيد!

يموت الهوى منّى إذا ما لقيتها، ... ويحيا إذا فارقتها فيعود!

فغنته الجارية. فسقط الغلام مغشيّا عليه ساعة. ثم أفاق، فقال له عبد الملك: مرها فلتغنك الصوت الثالث! فقال يا جارية! غنينى بشعر قيس بن الملوّح:

وفي الجيرة الغادين من بطن وجرة ... غزال غضيض المقلتين ربيب.

فلا تحسبى أن الغريب الذى نأى، ... ولكنّ من تنأين عنه غريب!

فغنته الجارية فطرح نفسه من المستشرف، فتقطع قبل وصوله إلى الأرض. فقال عبد الملك: ويحه! لقد عجّل على نفسه! ولقد كان تقديرى فيه غير الذى فعل! وأمر بإخراج الجارية عن قصره، فأخرجت. ثم سأل عن الغلام فقالوا: غريب، لا يعرف إلا أنه منذ ثلاث ينادى في الأسواق، ويده على رأسه:

غدا يكثر الباكون منا ومنكم، ... وتزداد دارى من دياركم بعدا!

وحكى أن مثل هذه الحكاية جرت في مجلس سليمان بن عبد الملك.

حكى عن أبى عثمان الجاحظ أنه قال: قعد سليمان بن عبد الملك يوما للمظالم وعرضت عليه القصص فمرّت به قصة فيها: إن رأى امير المؤمنين أن يخرج إلىّ فلانة