حتى إذا كنا بقديد «١» لقينا الحارث بن البرصاء، فأخذناه، فقال: إنما جئت أريد الإسلام. قلنا: إن تكن مسلما لم يضررك رباطنا يوما وليلة. قال: فشددناه وثاقا، وخلّفنا عليه رويجلا منّا أسود، وسرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس، فكمنّا فى ناحية الوادى، وبعثنى أصحابى ربيئة «٢» ، فخرجت حتى آتى تلّا مشرفا على الحاضر «٣» ، فاستندت فيه، فعلوت فى رأسه، فنظرت إلى الحاضر، فو الله إنّى لمنبطح على التلّ إذ خرج رجل منهم من خبائه، فقال لامرأته: إنى لأرى على التلّ سوادا ما رأيته فى أوّل يومى، فانظرى إلى أوعيتك، هل تفقدين منها شيئا؟
لا تكون الكلاب جرّت بعضها قال: فنظرت، فقالت: لا والله ما أفقد شيئا. قال:
فناولينى قوسى وسهمين، فناولته، فأرسل سهما فو الله ما أخطأ جنبى، فأنزعه فأضعه، وثبّت مكانى، ثم أرسل الآخر فوضعه فى منكبى، فأنزعه فأضعه، وثبتّ مكانى، فقال لامرأته: لو كان ربيئة لقد تحرّك، لقد خالطه سهماى لا أبا لك! فإذا أصبحت فابتغيهما فخذيهما لا تمضغهما الكلاب؛ قال: ثمّ دخل، وأمهلناهم حتى اطمأنّوا وتأمّوا- وكان وجه السّحر- شننّا عليهم الغارة، واستقنا النعم، فخرج صريخ القوم فى قومهم، فجاء ما لا قبل لنا به، فخرجنا بها نحدرها حتى مررنا بابن البرصاء فاحتملناه واحتملنا صاحبنا، وأدركنا القوم حتّى نظروا إلينا، ما بيننا وبينهم إلّا الوادى- وادى قديد- فأرسل الله تعالى الوادى بالسّيل من حيث شاء تبارك وتعالى من غير سحابة نراها ولا مطر، فجاء بشىء ليس لأحد به قوّة، ولا يقدر على أن يجاوزه، فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا، وإنّا لنسوق نعمهم