فعبّأ المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بنى عدرة يقال له: قطبة بن قتادة، وعلى مسيرتهم رجلا من الأنصار يقال له: عباية بن مالك- ويقال: عبادة- ثم التقوا واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة رضى الله عنه براية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قتل طعنا بالرماح، ثم أخذ الراية جعفر بن أبى طالب، فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها «١» ، فكانت أوّل فرس عرقبت فى الإسلام، وقاتل حتى قتل، ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوجد فى أحد نصفيه بضعة وثمانون جرحا، ووجدنا فيما أقبل من بدنه «٢» اثنتين وسبعين ضربة بسيف «٣» وطعنة برمح.
وحكى أبو محمد عبد الملك بن هشام أن جعفر بن أبى طالب أخذ اللّواء بيمينه فقطعت يده، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله تعالى بذلك جناحين فى الجنّة يطير بهما حيث شاء.
وقال محمد بن إسحاق: كان جعفر يقاتل وهو يقول:
يا حبّذا الجنّة واقترابها ... طيّبة وباردا شرابها
والرّوم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها
علىّ إن لاقيتها ضرابها
قال: ولمّا قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الرّاية، ثم تقدّم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه «٤» ويتردّد بعض التردّد، ثم قال: