للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: يا أمير المؤمنين فيهم واحد مجنون! سأل ما أجلّ مجلس أمير المؤمنين عن التفوّه به.

فقال: قل، ولا تجزعنّ! فقال: قال كذا وكذا. فقال: اخرج إليه، وقل له «إذا كان بعد ثلاث، فاحضر لينجز لك ما سألت» . وكن أنت متولّى الاستئذان له. ثم دعا بخادم فقال له: امض إلى فلانة فقل لها: حضر رجل يذكر كذا وكذا وقد أجبناه إلى ما سأل فكونى على أهبة. وخرج الفضل إلى الرجل وأخبره بما قال الرشيد، فانصرف وجاء فى اليوم الثالث. فعرّف الفضل الرشيد خبره فقال: يوضع له بحيث أرى كرسىّ من فضة، وللجارية كرسىّ من ذهب! وليخرج إليه ثلاثة أرطال! ففعلوا ذلك وجاء الفتى فجلس على الكرسىّ، والجارية بإزائه، فجعل يحدّثها والرشيد يراهما، فقال له الخادم: لم تدخل فتشتو وتصيّف! فأخذ رطلا وخرّ ساجدا، وقال: إن شئت أن تغنّى فغنّى:

خليلىّ عوجا! بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند بأرضكما قصدا!

وقولا لها: ليس الضلال أجازنا؛ ... ولكنّما جزنا لنلقاكما عمدا!

غدا يكثر الباكون منا ومنكم، ... وتزداد دارى من دياركم بعدا!

فغنت، فشرب الرطل، وحادثها ساعة. فاستحثه الخادم فأخذ الرطل بيده وقال:

غنى جعلنى الله فداءك!

تكلّم منّا في الوجوه عيوننا، ... فنحن سكوت والهوى يتكلّم!

ونغضب أحيانا ونرضى بطرفنا، ... وذلك فيما بيننا ليس يعلم!

فغنته وشرب الرطل الثانى وحادثها ساعة. واستعجله الخادم فخرّ ساجدا يبكى واخذ الرطل بيده واستودعها الله وقام ودموعه تستبق استباق المطر وقال: إذا شئت أن تغنّى فغنّى.