فأمّا عكرمة بن أبى جهل فإنه هرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام، فاستأمنن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمّنه، فخرجت فى طلبه إلى اليمن حتى أتت به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم وحسن إسلامه.
حكى الزبير بن بكّار قال: لما أسلم عكرمة قال: يا رسول الله، علّمنى خير شىء تعلمه أقواله؛ فقال له النبى صلّى الله عليه وسلّم:«شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله» ، فقال عكرمة: أنا أشهد بهذا، وأشهد بذلك من حضرنى، وأسألك يا رسول الله أن تستغفر لى؛ فاستغفر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فقال عكرمة: والله لا أدع نفقة كنت أنفقها فى صدّ عن سبيل الله إلّا أنفقت ضعفها فى سبيل الله، ولا قتالا قاتلته إلّا قاتلت ضعفه؛ ثم اجتهد فى الجهاد والعبادة حتى استشهد رحمه الله فى خلافة عمر بن الخطّاب بالشام؛ وقيل: استشهد فى آخر خلافة أبى بكر، قيل: فى يوم اليرموك. وقيل: فى يوم مرج «١» الصّفّر، وقيل: أجنادين «٢» . والله أعلم.
وأما عبد الله بن سعد بن أبى سرح، فإنه كان قد أسلم، وكان يكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحى؛ فارتدّ ورجع إلى قريش، فلما كان يوم الفتح فرّ إلى عثمان بن عفّان رضى الله عنه، وهو أخوه من الرضاعة، فغيّبه حتى أتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستأمن له بعد أن اطمأن الناس؛ فزعموا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صمت طويلا، ثم قال:«نعم» ؛ فلما انصرف عنه عثمان قال لمن حوله من أصحابه:«لقد صمّت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه» ،