للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا غيّبت عنّى حبيشه مرّة ... من الدهر لم أملك عزاء ولا صبرا

كأنّ الحشا حرّ السعير يحشّه «١» ... وقود الغضى فالقلب مضطرم جمرا

قال: وجعل يراسل الجارية وتراسله، حتى علقته كما علقها، وكثر قوله الشعر فيها، فمن ذلك قوله «٢» :

حبيشة هل جدّى وجدّك جامع ... بشملكم شملى وأهلكم أهلى؟

وهل أنا ملتّف بثوبك مرّة ... بصحراء بين الأيكتين إلى النّخل؟

ومرتشف من ريق ثغرك مرّة ... كراح ومسك خالطا عسل النّحل

فلما بلغ أهلها خبره، حجبوها عنه مدّة، وهو يزيد غراما بها، ويكثر قوله الشعر فيها، فأتوها فقالوا لها: عديه السّرحة، فإذا أتاك فقولى له: نشدتك الله إن أحببتنى فما على الأرض شىء أبغض إلىّ منك، ونحن قريب نسمع ما تقولين؛ فواعدته، وجلسوا قريبا يسمعون، وجلست عند السرحة، وأقبل عبد الله لموعدها، فلمّا دنا منها دمعت عينها، والتفتت حيث أهلها جلوس، فعرف أنهم قريب، فرجع، وبلغه ما أمروها به أن تقوله، فأنشأ يقول:

فلو قلت ما قالوا لزدت جوى جو «٣» ... على أنه لم يبق ستر ولا صبر

ولم يك حبّى عن نوال بذلته ... فيسلينى عنك التجلّد والهجر «٤»

وما أنس م الأشياء لم أنس دمعها ... ونظرتها حتى يغيّبنى القبر