بالتقوى متواضعين، يوقّرون فيه الكبير ويرحمون الصغير، ويرفدون «١» ذا الحاجة ويرحمون الغريب.
فسألته عن سيرته صلّى الله عليه وسلم فى جلسائه، فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب «٢» ولا فحاش، ولا عيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهى ولا يؤيس منه، قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث:
كان لا يذمّ أحدا ولا يعيّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أوّلهم، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة فى المنطق، ويقول:«إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه» ولا يطلب الثناء «٣» إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام.
هنا انتهى حديث سفيان بن وكيع.
وزاد الآخر؛ قلت: كيف كان سكوته صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: كان سكوته على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكّر، فأما تقديره ففى تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم صلّى الله عليه وسلّم فى الصبر، فكان لا يغضبه شىء يستفزّه. وجمع له فى الحذر أربع: أخذه بالحسن، ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاد الرأى بما أصلح أمّته، والقيام لهم بما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة. صلّى الله عليه وسلّم. فهذه جملة كافية من أوصافه صلّى الله عليه وسلّم، فلنذكر أحواله.