الدنيا والخلد ثم الجنة وبين لقاء ربى والجنة فاخترت لقاء ربى» . وعن أبى مويهبة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من جوف الليل:«يا أبا مويهبة إنى قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معى» فخرج وخرجت معه حتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلا، ثم قال:«ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، يتبع آخرها أوّلها، الآخرة شر من الأولى» ثم أقبل علىّ فقال: «يا أبا مويهبة إنى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة» فقلت: بأبى أنت وأمى، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فقال:«لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربى والجنة» ثم استغفر لأهل البقيع وانصرف. والجمع بين هذه الأحاديث كلها غير مناف؛ لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ربما استغفر لأهل البقيع ليالى، ويؤيد هذا ويعضده ما رواه عطاء بن يسار عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلما كانت ليلتها منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أتانا وإياكم ما توعدون، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» . وعن عطاء بن يسار أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى فقيل له:
اذهب فصلّ على أهل البقيع، ففعل ذلك ثم رجع فرقد، فقيل له اذهب فصلّ على الشهداء، فذهب إلى أحد فصلى على قتلى أحد، فرجع معصوب الرأس، فكان بدوّ الوجع الذى مات فيه صلّى الله عليه وسلّم.
وعن عقبة بن عامر الجهنىّ: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودّع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال:«إنى بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد، وإنّ موعدكم الحوض، وإنى لأنظر إليه وأنا فى مقامى هذا، وإنى لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنانسوها» .