وأين الملوك الّذين أثاروا الأرض وعمروها، قد بعدوا، ونسى ذكرهم، وصاروا كلا شىء. ألا إنّ الله قد أبقى عليهم التّبعات، وقطع عنهم الشّهوات، ومضوا والأعمال أعمالهم، والدّنيا دنيا غيرهم، وبقينا خلفا بعدهم، فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا.
أين الوضّاء الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم! صاروا ترابا، وصار ما فرّطوا فيه حسرة عليهم.
أين الذين بنوا المدائن؛ وحصّنوها بالحوائط، وجعلوا فيها الأعاجيب! قد تركوها لمن خلفهم، فتلك مساكنهم خاوية وهم فى ظلمات القبور، هل تحسّ منهم من أحد، أو تسمع لهم ركزا [١] ! أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم؟ قد انتهت بهم آجالهم؛ فوردوا على ما قدّموا، فحلّوا عليه، وأقاموا للشّقوة أو السّعادة فيما بعد الموت؛ ألا إنّ الله لا شريك له، ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا، ولا يصرف به عنه شرّا إلا بطاعته واتّباع أمره.
واعلموا أنكم عبيد مذنبون، وأنّ ما عنده لا يدرك إلّا بطاعته.
ألا وإنّه لا خير بخير بعده النّار، ولا شرّ بشرّ بعده الجنة.