للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استخلفت عليكم؟ فإنّى ما استخلفت ذا قرابة، وإنّى قد استخلفت عليكم عمر، فاسمعوا له وأطيعوا، وإنّى والله ما ألوت من جهد الرأى، فقالوا: سمعنا وأطعنا، ثم أحضر أبو بكر عمر، فقال: قد استخلفتك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأوصاه بتقوى الله، ثم قال: يا عمر؛ إنّ لله حقّا باللّيل لا يقبله فى النّهار، وحقّا فى النّهار لا يقبله فى الليل، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدّى الفريضة، ألم تر يا عمر أنّما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الحقّ وثقله عليهم! وحقّ الميزان لا يوضع فيه غدا حقّ إلّا أن يكون ثقيلا! ألم تر يا عمر أنّما خفّت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل، وخفّته عليهم، وحقّ الميزان لا يوضع فيه غدا باطل إلّا أن يكون خفيفا! ألم تر يا عمر أنّما نزلت آية الرخاء مع آية الشّدة، وآية الشدّة مع آية الرّخاء ليكون المؤمن راغبا راهبا؛ لا يرغب رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له، ولا يرهب رهبة يلقى فيها بيديه! ألم تر يا عمر أنما ذكر الله أهل النار بأسوإ أعمالهم، فإذا ذكرتهم قلت: إنّى لأرجو ألّا أكون منهم، وأنه إنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لأنّه تجاوز [١] لهم ما كان من شىء، فإذا ذكرتهم قلت: أين عملى من أعمالهم! فإن حفظت وصيتى، فلا يكون غائب أحبّ إليك من الموت، ولست بمعجزه.

وتوفّى أبو بكر رضى الله عنه، فلما دفن صعد عمر المنبر، فخطب النّاس ثم قال: إنّما مثل العرب مثل جمل أنف [٢]


[١] ك: «تجاوزتم لهم» .
[٢] الجمل الأنف: المأنوف. وفى نهاية ابن الأثير: وهو الذى عقر الخشاش أنفه فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذى به. وقيل: الذلول» .