للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال طليحة بن خويلد الأسدىّ: أرى أن تبعث خيلا مؤدية لينشبوا القتال، فإذا اختلطوا بهم رجعوا إلينا استطرادا، فإنّا لم نستطرد لهم فى طول ما قاتلناهم، فإذا رأوا ذلك طمعوا وخرجوا إلينا.

فقاتلناهم حتّى يقضى الله فيهم وفينا ما أحبّ، فأمر [النعمان] القعقاع بن عمرو، وكان على المجرّدة، فأنشب القتال، وأخرجهم من خنادقهم كأنّهم جبال من حديد، وقد تواثقوا [١] ألّا يفرّوا وقرن بعضهم ببعض، كلّ سبعة فى قران، وألقوا حسبك الحديد بينهم؛ لئلّا ينهزموا، فلمّا خرجوا نكص القعقاع، فاغتنمتها الأعاجم ففعلوا كما ظنّ طليحة. وقالوا: هى هى.

ولحق القعقاع بالنّاس، وانقطع الفرس عن حصنهم، وأمر النّعمان أصحابه أن يلزموا الأرض ولا يقاتلوا حتى يأذن لهم، ففعلوا، واستتروا بالحجف [٢] من الرّمى، وأقبل المشركون يرمونهم حتى أفشوا فيهم الجراح، والنّعّمان ينتظر بالقتال أحبّ السّاعات كانت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ وذلك عند الزّوال، فلمّا كان قريبا من تلك الساعة ركب النّعمان فرسه، وسار فى النّاس يحرّضهم على القتال، ويذكّرهم ويمنّيهم الظّفر، وقال: إنّى مكبّر ثلاثا، فإذا كبّرت الثالثة فإنّى حامل، فاحملوا، فإن قتلت فالأمير بعدى حذيفة، فإن قتل ففلان، حتى عدّ سبعة آخرهم المغيرة، ثم قال: اللهمّ أعزز دينك بنصر عبادك. وقيل: بل قال: اللهمّ إنّى أسألك أن تقرّ عينى اليوم بفتح يكون فيه عزّ الإسلام، واقبضنى شهيدا.


[١] ابن الأثير: «توافقوا» .
[٢] الحجف: التروس من جلود بلا خشب.