دخولنا فى دينهم فهذا ما لا يكون أبدا؛ أن نترك دين المسيح بن مريم، وندخل فى دين غيره ولا نعرفه. وأمّا ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدا أبدا، فالموت أيسر من ذلك، لو رضوا منّا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارا كان أهون علينا.
فقال المقوقس لعبادة: قد أبى القوم، فما ترى؟ فراجع صاحبك على أن نعطيكم فى مرّتكم هذه ما تمنّيتم وتنصرفون.
فقام عبادة وأصحابه، فقال المقوقس لمن حوله: أطيعونى وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثّلاث، فو الله ما لكم بهم طاقة، ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنّهم إلى ما هو أعظم كارهين.
قالوا: وأىّ خصلة تجيبهم إليها؟ قال: إذا أخبركم؛ أمّا دخولكم فى غير دينكم فلا آمركم به، وأمّا قتالهم فأنا أعلم أنّكم لن تقووا عليهم، ولن تصبروا صبرهم، ولا بدّ من الثّالثة. قالوا:
أفنكون لهم عبيدا أبدا! قال: نعم، تكونون عبيدا مسلّطين فى بلادكم، آمنين على أنفسكم، وأموالكم وذراريّكم، خير لكم من أن تموتوا عن آخركم، وتكونوا عبيدا تباعون وتمزّقون فى البلاد، مستعبدين أبدا فى البلاد. أنتم وأهلوكم وذراريّكم.
قالوا: فالموت أهون علينا. فأمروا بقطع الجسر بين الفسطاط والجيزة، وبالقصر من القبط والرّوم جمع كثير، فألحّ عليهم المسلمون عند ذلك بالقتال؛ حتى ظفروا بمن فى القصر، فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وأسروا من أسروا، وانحازت السّفن كلّها إلى الجزيرة.
هذا والمسلمون قد أحدق بهم الماء من كلّ وجه، لا يقدرون على أن