من التجأ إليه ممّن نبت به الغربة وعاقبة السّفر، وحقّق باختياره صدق الخبر عنه وتيقّن الخبر، لا يقتصر فيه على هذه النّبذة التى ذكرناها، واللّمعة الّتى أوردناها؛ بل يتعيّن بسط القول فيه، وأن يتكلّم المؤلّف إذا انتهى إليه بملء فيه. وربّما اعترض علىّ معترض لم يطالع مجموع ما ألّفت، ولا وقف على جملة ما صنّفت، فيقول: كيف اقتصر على فتوح مصر على مجرّده وهى أصل بلاده، وقاعدة عباده، وبسط القول فى الإسكندرية وهى على الحقيقة من مضافاتها، وولاية من جملة ولاياتها! وقد تجول فيه خيل الاعتراض، ويعدل عن الانشراح إلى الانقباض، ويتوّهّم أنّ ذلك عن عجز أو قصر، وإن بسط العذر فيقول: عن ملال وضجر. وليس الأمر- ولله الحمد- كذلك؛ لأنّا ذكرنا أخبار مصر فى كتابنا هذا فى أربعة مواضع سلفت منه، فذكرنا خصائصها وما فضّلت به على غيرها فى الباب الثانى من القسم الخامس من الفنّ الأوّل، وكلّ ذلك فى السّفر الأوّل من كتابنا فى خصائص البلاد، وذكرنا أخبار نيلها فى الباب السّابع من القسم الرّابع من الفنّ الأوّل فى الأنهار، وذكرنا أخبار ما بها من المبانى القديمة والآثار العظيمة، فى الباب الثّالث من القسم الخامس من الفنّ الأوّل.
وذكرنا أخبار من ملكها من ملوك الأمم قبل الطّوفان وبعده، وما بنوه بها من المدن، وما أقاموه من المنارات والأهرام والبرابى وغير ذلك من المبانى، وما وضعوه بها من العجائب والطّلّسمات والحكم، وما أثاروا من المعادن وما دبّروه من الصّنعة وما شقّوه وأنبطوه من الأنهار، وغير ذلك من أخبارها وعجائبها، وذلك فى الباب الثانى