للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرقّ النّاس وبكوا حتّى أخضلت [١] لحاهم، وبكى هو أيضا، فلمّا نزل وجد مروان وسعيد بن العاص ونفرا من بنى أميّة فى منزله، لم يكونوا شهدوا خطبته.

فلمّا جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين، أتكلّم أم أسكت؟

فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان: لا، بل اصمت، فإنّهم والله قاتلوه ومؤثموه، إنه قد قال مقالة لا ينبغى له أن ينزع عنها.

فقال لها مروان: ما أنت وذاك؟ فو الله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضّأ، فقالت: مهلا يا مروان عن ذكر الآباء، تخبر عن أبى وهو غائب تكذب عليه! وإنّ أباك لا يستطيع أن يدفع عنه. أما والله لولا أنّه عمّه، وأنّه يناله غمّه لأخبرتك عنه بما لم أكذب. قال:

فأعرض عنها مروان، وقال: يا أمير المؤمنين، أتكلّم أم أسكت؟

قال: تكلّم، فقال: بأبى أنت وأمّى! والله لوددت أنّ مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع، فكنت أوّل من رضى بها، وأعان عليها؛ ولكنّك قلت ما قلت حين قد بلغ الحزام الطّبيين، وبلغ السّيل الزّبى، وحين أعطى الخطّة الذّليلة الذّليل، والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها، أحسن من توبة يخاف عليها، وأنت إن شئت تقرّ بالتّوبة، ولم تقرّ بالخطيئة، وقد اجتمع بالباب أمثال الجبال من النّاس.

فقال عثمان: فاخرج إليهم وكلّمهم، فإنّى أستحيى أنّ أكلّمهم، فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا، فقال:


[١] أخضلت: ابتلت.