فكفّ الناس عنه، فجعل يتأهّب للقتال، ويستعدّ بالسّلاح، واتخذ جندا. فلمّا مضت الأيّام الثلاثة ولم يغيّر شيئا ثار به القوم.
وخرج عمرو بن حزم إلى المصريّين فأعلمهم الخبر، وهم بذى خشب، فقدموا المدينة وطلبوا منه عزل عمّاله، وردّ مظالمهم.
فقال: إن كنت أستعمل من أردتم، وأعزل من كرهتم، فلست فى شىء من الأمر، والأمر أمركم. فقالوا: والله لتفعلنّ أو لتخلعنّ أو لتقتلنّ. فأبى عليهم، فحصروه، واشتد الحصار، فأرسل إلى علىّ وطلحة والزّبير فحضروا، فأشرف عليهم وقال:
يأيّها الناس، اجلسوا، فجلس المحارب والمسالم، ثم قال: يا أهل المدينة، أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدى، ثم قال: أنشدكم بالله! هل تعلمون أنّكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم، وأن يجمعكم على خيركم! أتقولون إن الله لم يستجب لكم، وهنتم عليه، وأنتم أهل حقّه! أم تقولون:
هان على الله دينه، فلم يبال من ولّى، والدّين لم يتفرّق أهله حينئذ [١] ؟
أم تقولون: لم يكن أخذ عن مشورة، إنما كان عن مكابرة فوكّل الله الأمّة إذ عصته ولم يشاوروا فى الإمامة! أم تقولون: إن الله لم يعلم عاقبة أمرى! وأنشدكم بالله! أتعلمون لى سابقة خير وقدم خير قدّم الله لى ما يوجب على كلّ من جاء بعدى أن يعرفوا لى فضلها، فمهلا لا تقتلونى فإنه لا يحلّ إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر