للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضنا أعلم بقتال بعض منك. وحمل القعقاع، والزّمام مع زفر بن الحارث الكلابىّ، وكان آخر من أخذ الخطام، فلم يبق شيخ من بنى عامر إلّا أصيب قدّام الجمل، وزحف القعقاع إلى زفر بن الحارث، وقال لبجير بن دلجه- وهو من أصحاب علىّ-: يا بجير صح بقولك فليعقروا الجمل قبل أن يصابوا أو تصاب أمّ المؤمنين. فقال بجير:

«يا آل ضبّة، يا عمرو بن دلجة، ادع بى إليك» فدعاه، فقال:

أنا آمن حتّى أرجع عنكم؟. قالوا: نعم. فاجتثّ ساق البعير، فرمى بنفسه على شقّه وجرجر [١] البعير، قال القعقاع لمن يليه: أنتم آمنون واجتمع هو وزفر على قطع بطان [٢] الجمل وحملا الهودج فوضعاه، وإنه كالقنفذ لما فيه من السّهام، ثم أطافا به، وفرّ من وراء ذلك من الناس.

فلمّا انهزموا أمر علىّ مناديا فقال: ألا لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح [٣] ولا تدخلوا الدّور.

وأمر علىّ نفرا أن يحملون الهودج من بين القتلى، وأمر أخاها محمد بن أبى بكر أن يضرب عليها قبّة، وقال انظر: هل وصل إليها شىء من جراحة؟ فأدخل رأسه هودجها، فقالت: من أنت؟

فقال: أبغض أهلك إليك. قالت ابن الخثعميّة [٤] ؟ قال: نعم.

قالت: الحمد لله الذى عافاك.


[١] جرجر البعير: ردد صوته فى حنجرته.
[٢] بطان الجمل: الحزام الذى يجعل تحت بطنة.
[٣] أى: لا يقتل من صرع وجرح منهم.
[٤] الخثعمية: أسماء بنت عميس الخثعمية، وهى أخت ميمونه زوج النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت أسماء من المهاجرات إلى الحبشة، وهى إذ ذاك زوج جعفر بن أبى طالب، فولدت له هناك محمد بن جعفر وعبد الله وعونا. ثم هاجرت معه إلى المدينة، فلما قتل جعفر يوم مؤتة تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمدا هذا، ثم مات عنها أبو بكر فتزوجها على بن أبى طالب فولدت له يحيى بن على، وقد ثبت أنها ولدت محمد بن أبى بكر فى طريق المدينة إلى مكة فى حجة الوداع، كما فى حديث جابر الطويل فى صحيح مسلم، ثم نشأ محمد بن أبى بكر فى حجر على بن أبى طالب، إذ تزوج على أمه، ثم كان موقفه، فى موقعة الجمل مع أخته عائشة ما ذكره للؤلف، وسيذكر- فيما بعد- ولايته لمصر ومقتله وأن «عائشة رضى الله عنها جزعت عليه جزعا شديدا» .