للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما قرأ قيس كتابه ورأى أنه لا تفيد معه المدافعة والمماطلة أظهر له ما فى نفسه، فكتب إليه: «أما بعد، فالعجب من اغترارك بى وطمعك فىّ، واستسقاطك رأيى، أتسومنى الخروج من طاعة أولى الناس بالإمارة، وأقولهم بالحق، وأهداهم سبيلا، وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيلة، وتأمرنى بالدخول فى طاعتك، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم بالزّور، وأضلّهم سبيلا، ولد ضالين مضلين، طاغوت من طواغيت إبليس. وأمّا قولك: إنّى مالئ عليك مصر خيلا ورجلا [١] ، فو الله إن لم أشغلك بنفسك حتى تكون أهمّ إليك إنك لذو وجد [٢] ، والسلام.

فلما رأى معاوية كتابه أيس منه، وثقل عليه مكانه، ولم تنجع حيله فيه فكاده، من قبل علىّ، فقال لأهل الشام: لا تسبّوا قيس بن سعد، ولا تدعوا إلى غزوه، فإنه لنا شيعة، تأتينا كتبه ورسله ونصيحته لنا سرا، ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من أهل خربتا، يجرى عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، ويحسن إليهم. وافتعل كتابا [٣] عن قيس بالطّلب بدم عثمان، والدخول معه فى ذلك، وقرأه على أهل الشام.

فبلغ ذلك عليا فأعظمه وأكبره، ودعا ابنيه وعبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك، فقال ابن جعفر: يا أمير المؤمنين، دع ما يربيك إلى


[١] فى النجوم الزاهرة: «وأما قولك: معك أعنة الخيل وأعداد الرجال» .
[٢] كذا جاء فى المخطوطة، وجاء فى الكامل وغيره. «إنك للوجد» والجد: الحظ.
[٣] انظر تاريخ الطبرى ج ٣ ص ٥٥٤ والنجوم الزاهرة ج ٣ ص ١٠١.