للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذى أصلحت هو الذى أفسدت، والذى أفسدت هو الذى أصلحت لفزت، ولو كان ينفعنى أن أطلب طلبت، ولو كان ينجينى أن أهرب هربت، فصرت كالمنجنيق بين السماء والأرض، لا أرقى بيدين ولا أهبط برجلين، فعظنى بعظة أنتفع بها يابن أخى» . فقال ابن عباس: «هيهات يا أبا عبد الله، صار ابن أخيك أخاك، ولا نشاء أن تبكى إلا بكيت، كيف يؤمر برحيل من هو مقيم؟» . فقال عمرو على حينها من حين ابن بضع وثمانين سنة تقنطنى من رحمة ربى، اللهم إن ابن عباس يقنّطنى من رحمتك فخذ منى حتى ترضى. فقال ابن عباس: هيهات يا أبا عبد الله أخذت جديدا وتعطى خلقا، قال:

ما لى ولك يا ابن عباس ما أرسل كلمة إلا أرسلت نقيضها.

وروى [١] بسنده إلى يزيد بن أبى حبيب: أن عبد الرحمن بن شماسة حدّثه قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى، فقال له ابنه عبد الله: «لم تبكى؟ أجزعا من الموت؟» قال: لا والله ولكن لما بعده، فقال له: لقد كنت على خير، وجعل يذكّره صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتوحه الشام. فقال له عمرو: «تركت أفضل من ذلك كله، شهادة أن لا إله إلا الله، إنى كنت على ثلاثة أطباق [٢] ، ليس منها طبق إلّا عرفت نفسى فيه، كنت أوّل شىء كافرا، فكنت أشدّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو متّ حينئذ وجبت لى النار، فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أشدّ الناس حياء منه، فما ملأت عينى من رسول الله صلى الله


[١] فى الاستيعاب ج ٢ ص ٥١٤.
[٢] الأطباق: المراد بها الأحوال.