للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منكم نهاة [١] تمنع الغواة عن دلج [٢] الليل وغارة النهار؟ قرّبتم القرابة وباعدتم الدّين! تعتذرون بغير العذر وتغطّون [٣] على المختلس! كلّ امرئ منكم يذبّ عن سفيهه صنع من لا يخاف عاقبة ولا يخشى [٤] معادا! ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السّفهاء، فلم يزل بهم ما ترون [٥] من قيامكم دونهم حتّى انتهكوا حرم الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا فى مكانس [٦] الريب!. حرام علىّ الطعام والشراب حتّى أسوّيها بالأرض هدما وإحراقا! إنى رأيت هذا الأمر لا يصلح إلّا بما صلح به أوّله:

لين فى غير ضعف، وشدة فى غير جبريّة وعنف. وإنّى أقسم بالله لآخذنّ الولىّ بالولىّ والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم فى نفسه بالسقيم، حتّى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد [٧] ، أو تستقيم لى قناتكم! إن كذبة المنبر


[١] النهاة: جمع الناهى، كما تكون الغواة جمع الغاوى.
[٢] دلج الليل: يراد به السير فى الليل، وأكثره يكون للسرقة أو الفجور.
[٣] فى الكامل: «تعطفون» ، وفى البيان: «تغضون» .
[٤] فى تاريخ الطبرى والبيان والعقد: «ولا يرجو» .
[٥] فى العقد «بكم ما ترون» ، وكذلك بعض نسخ البيان، وفى بعضها: «بهم ما يرون» .
[٦] يقال: كنس الظبى فى كناسه أو مكنسه، إذا تغيب واستنر فى بيته، قال صاحب النهاية فى شرح هذه الجملة من خطبة زياد: المكانس: جمع مكنس، مفعل من الكناس، والمعنى استتروا فى مواضع الريبة.
[٧] «انج سعد فقد هلك سعيد» مثل من أمثال العرب، انظر مجمع الأمثال فى حرف النون ج ٢ ص ٣٠١، و «سعد» و «سعيد» ابنا ضبة بن طابخة بن الياس بن مضر، وكانا قد زوجها فى طلب إبل لأبيهما نفرت فى الليل، فوجدها سعد فردها، ومضى سعيد فى طلبها حتى لقيه الحارث بن كعب فقتله وأخذ يرديه، انظر مجمع الأمثال ج ١ ص ٣٠١ والفاخر ص ٥٩.