فلمّا خرج نزل بداره، وقال لمن يثق به: قاتلهم الله، ما أحمقهم حين يرون أنى أفى لهم، أمّا حلفى بالله فإننى إذا حلفت على يمين فرأيت خيرا منها أكفّر عن يمينى، وخروجى عليهم خير من كفّى عنهم، وأمّا هدى البدن، وعتق المماليك، فهو أهون عليّ من بصقة، وددت أنّى تمّ لى أمرى ولا أملك بعده مملوكا أبدا.
ثم اختلفت إليه الشّيعة، واتفقوا على الرّضا به، ولم يزل أصحابه يكثرون وأمره يقوى، حتّى عزل عبد الله بن الزبير عبد الله ابن يزيد وإبراهيم بن محمد، واستعمل عبد الله بن مطيع على عملهما بالكوفة.
وقدم ابن مطيع الكوفة لخمس بقين من شهر رمضان سنة [٦٥ هـ] خمس وستّين. ولمّا قدم صعد المنبر، فخطب الناس وقال: أمّا بعد، فإن أمير المؤمنين بعثنى على مصركم وثغوركم، وأمرنى بجباية فيئكم وألّا أحمل فضلة عنكم «١» إلا برضا منكم، وأن أتبع فيكم وصيّة عمر بن الخطّاب التى أوصى بها عند وفاته، وسيرة عثمان بن عفّان رضى الله عنهما، فاتقوا الله واستقيموا، ولا تختلفوا على، وخذوا على أيدى سفهائكم، فإن لم تفعلوا فلوموا أنفسكم. فقام إليه السائب بن مالك الأشعرى «٢» ، فقال: أمّا حمل فيئنا برضانا فإنّا نشهد ألّا «٣» نرضى أن تحمل عنّا فضلة وألّا تقسم إلّا فينا، وألّا يسار فينا إلا بسيرة عليّ بن أبى طالب الّتى سار بها فى بلادنا