المساء، وقاتل المختار على فم سكّة شبث عامّة ليلته، وقاتل معه رجال من أهل البأس، وقاتلت معه همدان أشدّ قتال، ثم تفرق الناس عن المختار، فقال له من معه: أيّها الأمير، اذهب إلى القصر، فجاء حتّى دخله، فقال له بعض أصحابه: ألم تكن وعدتنا الظفر، وأنّا سنهزمهم؛ فقال: أما قرأت فى كتاب الله «١» : يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.
قال: فلما أصبح مصعب أقبل يسير فيمن معه نحو السّبخة، فمرّ بالمهلّب، فقال المهلّب، يا له فتحا ما أهناه لو لم يقتل محمد بن الأشعث، فقال: صدقت؛ ثم قال [مصعب]«٢» للمهلب: إن عبيد الله بن عليّ بن أبى طالب قد قتل، فاسترجع المهلّب. فقال مصعب: إنّما قتله من يزعم أنه شيعة لأبيه، ثم نزل مصعب السّبخة فقطع عن المختار ومن معه الماء والميرة، وقاتل المختار ومن معه قتالا ضعيفا، واجترأ الناس عليهم، فكانوا إذا خرجوا رماهم الناس من فوق البيوت، وصبّوا عليهم الماء القذر، وكان أكثر معاشهم من النساء تأتى المرأة متخفّية ومعها القليل من الطعام والشراب، ففطن مصعب لذلك، فمنع النساء، فاشتد على المختار وأصحابه العطش، فكانوا يشربون ماء البئر بالعسل، ثم أمر مصعب أصحابه فاقتربوا من القصر، واشتدّ الحصار، فقال المختار لأصحابه: ويلكم، إنّ الحصار لا يزيدكم إلّا ضعفا، فانزلوا بنا نقاتل حتّى نقتل كراما إن نحن قتلنا، والله ما أنا يائس إن صدقتموهم أن ينصركم الله، فضعفوا ولم يفعلوا، فقال لهم: