وبرّ ومواساة فى دينهم، وإخوانا على سرر متقابلين فى آخرتهم، فتح الله ذلك منّة ومنحة «١» لمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فلما قبضه الله إليه قام بالأمر من بعده أصحابه شورى بينهم، فحووا مواريث الأمم فعدّلوا فيها، ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وخرجوا خماصا منها، ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزوها وتداولوها، فجاروا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه، فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا، وردّ علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وولى نصرنا والقيام بأمرنا، ليمنّ بنا على الذين استضعفوا فى الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا، وإنى لأرجو ألا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله. يا أهل الكوفة، أنتم أهل محبّتنا، ومنزل «٢» مودتنا، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك، ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم، حتى أدرككم «٣» زماننا، وأتاكم الله بدولتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم فى أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح «٤» ، والثائر المنيح «٥» .
وكان موعكا فاشتد عليه الوعك، فجلس على المنبر وقام عمه داود على مراقى المنبر، فقال:
الحمد لله شكرا الذى أهلك عدوّنا، وأصار إلينا ميراثنا من نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم. أيها الناس: الآن قد قشعت حنادس الدنيا، وانكشف غطاؤها وأشرقت أرضها وسماؤها، وطلعت الشمس من