عندهم، فقال له المنصور: أما ترى ما نحن فيه من وثوب الجند علينا، وقد خفت أن تجتمع كلمتهم فيخرج هذا الأمر من أيدينا، فما ترى؟
فقال: يا أمير المؤمنين عندى رأى، إن أظهرته لك فسد وإن تركتنى أمضيته وصلحت خلافتك، وهابك الجند، قال: أفتمضى فى خلافتى شيئا لا أعلمه «١» ؟ فقال له: إن كنت عندك متهما فلا تشاورنى، وإن كنت مأمونا فدعنى أفعل رأيى، فقال له: امضه، فانصرف قثم إلى منزله فدعا غلاما له فقال له: إذا كان غدا فتقدّمنى فاجلس فى دار أمير المؤمنين، فإذا دخلت وتوسطت أصحاب المراتب فخذ بعنان بغلتى، واستحلفنى بحق رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحق العباس وحق أمير المؤمنين لما وقفت لك، وسمعت مسألتك وأجبتك عنها، وسأنهرك وأغلظ لك فلا تجب، وعاود المسألة فسأضربك فعاود، وقل لى أى الحيين أشرف: اليمن أو مضر؟ فإذا أجبتك فاترك البغلة وأنت حرّ، ففعل الغلام ما أمره به؛ فقال له قثم: مضر أشرف لأن منها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفيها كتاب الله، وفيها بيت الله، ومنها خليفة الله، فامتعضت اليمن إذ لم يذكر لها شيئا، فقال بعض قوادهم: ليس الأمر كذلك مطلقا بغير فضيلة!! ثم قال لغلام له: قم إلى بغلة الشيخ فاكبحها، ففعل حتى كاد يقعيها، فامتعضت مضر وقالوا:
يفعل هذا بشيخنا!! وأمر بعضهم غلامه فضرب يد ذلك الغلام فقطعها، فتفرّق الحيّان، ودخل قثم على المنصور، وافترقت الجند، فصارت مضر واليمن فرقة والخراسانية فرقة، فقال قثم للمنصور: قد فرّقت بين جندك وجعلتهم أحزابا، كل حزب منهم يخاف أن تضربه بالآخر، وقد بقى فى التدبير بقية، وهى أن تترك ابنك فى ذلك الجانب، وتحوّل معه قطعة من جيشك، فيصير ذلك بلدا وهذا بلدا، فإن فسد عليك أولئك ضربتهم