للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبشّرت بالقطر كلّ شائم، وأنذرت بالورد كلّ حائم، والريح تنثّها، والبرق يحثّها، كأنه قضيب من ذهب، أو لسان من لهب؛ وللسحاب من ضوء البرق هاد، ومن صوت الرعد حاد؛ والريح توسع بلحمتها سداها، وتسرع فى حياكتها يداها. فلما التحم فتقها، والتأم رتقها؛ وامتدّت أشطانها، واتسعت أعطانها؛ وانفسحت أجنابها، وانسدلت أطنابها؛ وتهدّل خملها، وتمخض حملها؛ ومدّت على آفاق السماء نطاقها، وزرّت على أعناق الجبال أطوافها، كأنها بناء على الجوّ مقبوب، أو طبق على الأرض مكبوب؛ تمشى من الثقل هونا، وتستدعى من الريح عونا؛ ومخايلها تقوى، وعارضها أحوى. فلما أذن الله لها بالأنحدار، وأنزل منه الودق بمقدار، أرسلت الريح خيوط القطر من رود السحائب، وأسبلتها إسبال الذوائب. فدرّت من خلف مصرور، ونثرت طلّها نثر الدرور. ثم انخرق جيبها، وانبثق سيبها؛ وصار الخيط حبلا، والطلّ وبلا. فالسحاب يتعلّق، والبرق يتألّق؛ والرعد يرتجس، والقطر ينبجس؛ والنّقط تترامى طباقا، وتتبارى اتساقا؛ فيردف السابق المصلّى، ويتصل التابع بالمولّى؛ كما يقع من المنخل البر، وينتثر من النظام الدّرّ؛ فجيوب السماء تسقطه، وأكفّ الغدران تلقّطه؛ والأرض قد فتحت أفواها، وجرعت أمواها. حتّى أخذت ريّها من المطر، وبلغت منه غاية الوطر، خفى من الرعد تسبيحه، وطفئت من البرق مصابيحه، وحسرت السماء نقابها، وولّت المطر أعقابها؛ وحكت فى ردّها طلق السابق، وهرب الآبق.

ومن رسالة لمحمد بن شرف القيروانى:

برئ عليل البرى، وأثرى فقير الثرى، وتاريخ ذلك انصرام ناجر [١] ، وقد بلغت القلوب


[١] رجب أو صفر. وكل شهر من شهور الصيف (قاموس) .