بلغه ما فعل طاهر، وكان الأمين قد بعث إلى داود وأخذ الكتابين من الكعبة كما تقدّم فجمع داود وجوه الناس ومن كان شهد فى الكتابين، وقال: قد علمتم ما أخذ الرشيد علينا وعليكم من العهد عند البيت «١» الحرام لابنيه، لنكوننّ مع المظلوم منهما على الظالم، ومع المغدور منهما على الغادر، وقد رأينا ورأيتم «٢» أن محمدا قد بدأ بالظلم والبغى والنكث على أخويه المأمون والمؤتمن، وخلعهما عاصيا لله وبايع لابنه طفل صغير رضيع، وأخذ الكتابين من الكعبة فحرقهما، وقد رأيت خلعه والبيعة للمأمون، إذ كان مظلوما مبغيا عليه، فأجابوه إلى ذلك، فنادى فى شعاب مكة فاجتمع الناس فخطبهم بين الركن والمقام، وخلع الأمين وبايع للمأمون، وكتب إلى ابنه سليمان- وهو عامله على المدينة- أن يفعل مثل ما فعل، فخلع وبايع للمأمون وكانت هذه البيعة فى شهر رجب سنة ست وتسعين ومائة، وسار داود من مكة على طريق البصرة، ثم إلى فارس وإلى كرمان حتى صار الى المأمون بمرو فأخبره، فسرّ المأمون وتيمّن ببركة مكة والمدينة، واستعمل داود عليهما وأعطاه خمسمائة ألف درهم، وبعث معه العباس بن موسى بن عيسى بن موسى وجعله على الموسم، فسارا حتى أتيا طاهرا ببغداد فأكرمهما «٣» ، ووجّه معهما يزيد بن جرير بن يزيد «٤» بن خالد بن عبد الله القسرى واستعمله على اليمن، وبعث معه خيلا كثيفة فقدمها، ودعا أهلها إلى خلع الأمين والبيعة للمأمون، فأجابوه وخلعوا وبايعوا للمأمون «٥» ، فكتب بذلك إلى طاهر والمأمون.