الأمين نودى فى الناس كلهم بالأمان، ودخل طاهر المدينة يوم الجمعة وصلّى بالناس.
وحكى عن إبراهيم بن المهدى قال «١» : كنت مع الأمين لما حصره طاهر، فخرج ليلة يريد الفرجة لما هو فيه من الضيق، فصار إلى قصر بناحية الخلد، ثم أرسل إلىّ فحضرت عنده، فقال: ترى طيب هذه الليلة وحسن القمر فى السماء وضوء فى الماء- وكان على شاطئ دجلة- فهل لك فى الشرب؟ فقلت: شأنك، فشرب رطلا وسقانى آخر، ثم غنّيته ما كنت أعلم أنه يحبّه، ثم دعا بجارية اسمها ضعف فتطيّرت من اسمها، فقال لها غنّى فغنّت شعر الجعدى:
كليب لعمرى كان أكثر ناصرا ... وأيسر حزما منك ضرح بالدم
فتطيّر من ذلك وقال: غنى غير هذا، فغنّت:
أبكى فراقهم عينى فأرقّها ... إن التفرّق للأحباب بكّاء
ما زال يغدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عدّاء
فسبّها، وقال: أما تعرفين من الغناء غير هذا، ثم غنّته:
أما ورب السكون والحرك ... إن المنايا كثيرة الشرك
الأبيات الأربعة، فغضب ولعنها فقامت، وكان له قدح من بللّور حسن الصنعة، فعثرت به فكسرته، فقال لى: ويحك يا إبراهيم! ما ترى إلى ما جاءت به هذه الجارية!! والله ما أظن أمرى إلا قد قرب، فقلت:
يديم الله ملكك ويعز سلطانك ويكبت عدوّك، فما استتمّ الكلام حتى سمعنا صوتا قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ «٢»
، فقال يا إبراهيم: أما سمعت ما سمعت!! قلت ما سمعت شيئا، فقتل بعد ليلة أو ليلتين.