للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل ذى ذنب، كما أن عفوك فوق كل ذى «١» عفو. ومن رواية أخرى أنّه قال: وقد أصبحت فوق كل ذى ذنب؛ كما أصبح كل ذى عفو دونك، فإن عاقبت «٢» فبحقك وإن تعف فبفضلك، قال: فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال: إن هذين أشارا علىّ بقتلك، فالتفت فإذا العباس بن المأمون والمعتصم، فقال: يا أمير المؤمنين أما حقيقة الرأى فى معظم تدبير الخلافة والسياسة فقد أشارا عليك به، وما غشّاك إذ كان منّى ما كان، ولكنّ الله عوّدك من العفو عادة جريت عليها، دافعا ما تخاف بما ترجو، فكفاك الله يا أمير المؤمنين، فتبسّم المأمون ثم أقبل على ثمامة فقال: إن من الكلام ما يفوق الدر ويغلب السحر، وإنّ كلام عمى منه، أطلقوا «٣» حديده وردّوه إلىّ مكرّما، فلما ردّ إليه قال: يا عم، صر إلى المنادمة وارجع إلى الأنس، فلن ترى منى أبدا إلا ما تحب، فلما كان من الغد بعث إليه بدرج فيه هذه القصيدة التى تقدّم ذكرها، لكن اختصرها أبو الفرج فذكر بعضها، فلما قرأها المأمون بكى وقال علىّ به «٤» فخلع عليه «٥» ، وأمر له بخمسة آلاف دينار، ودعا بالفرّاش فقال له: إذا رأيت عمى مقبلا فاطرح له متكأ، وكان ينادمه لا ينكر منه شيئا. قال أبو الفرج: وروى بعض هذا الخبر عن محمد بن الفضل الهاشمى، فقال فيه: لما فرغ المأمون من خطابه دفعه إلى ابن أبى خالد الأحول، وقال: هذا صديقك فخذه إليك، قال: وما تغنى صداقتى عنه وأمير المؤمنين ساخط عليه، أما إنى- وإن كنت صديقا له- لا أمتنع عن قول الحق فيه، قال له: قل فإنك غير متّهم، فقال- وهو يريد التسلّق على العفو عنه: إن قتلته فقد قتلت الملوك قبلك أقل جرما منه وإن عفوت عنه عقوت عمن لم يعف قبلك عن مثله،