وكان سبب هربها أنّها كانت واطأت بعض الكتّاب على الفتك بصالح بن وصيف، فأوقع بهم صالح وعذّبهم فعلمت أنهم لا يكتمون عنه أمرها، فخرجت وأخرجت ما فى الخزائن إلى خارج الجوسق، فلما جرت «١» الحادثة على ابنها علمت أن حالها لا يخفى، وأن الذى تختفى عنده يطمع فى مالها وفى نفسها ويتقرّب إلى صالح، فأرسلت امرأة عطارة إلى صالح بن وصيف فتوسطت الحال بينهما، وظهرت فى شهر رمضان وأحضرت أموالها من بغداد وهى خمسمائة ألف دينار، وظفروا لها بخزائن تحت الأرض فيها أموال كثيرة، من جملتها دار وجد فيها ألف ألف وثلاثمائة ألف دينار، ووجدوا فى سفط مقدار مكوك من الزمرد لم ير الناس مثله وفى سفط آخر مكوك من اللؤلؤ الكبار. وفى سفط آخر مقدار كيلجة من الياقوت الأحمر الذى لا يوجد مثله، فحمل الجميع إلى صالح. فسبّها وقال: عرّضت ابنها للقتل فى خمسين ألف دينار- وعندها هذا المال جميعه!! ثم سارت قبيحة إلى مكة فسمعت تدعو على صالح بصوت عال تقول: اللهم اخز صالحا كما هتك سترى، وقتل ولدى، وبدّد شملى، وأخذ مالى. وغرّبنى عن بلدى.
وركب الفاحشة منّى؛ وكان المتوكل سماها قبيحة لجمالها- فهو من أسماء الأضداد.
وفيها استولى مساور الخارجى على الموصل. وفيها خرج صاحب الزّنج فى فرات البصرة. وكان منه ما نذكره إن شاء الله فى أخباره. وفيها ولى سليمان بن عبد الله بن طاهر بغداد والسواد فى شهر ربيع الأول فى أيام المعتز، وكان قد فرّ من الحسن بن زيد العلوى فاستعمله المعتز على بغداد.
فقال ابن الرومى:
من عذيرى من الخلايف ضلّوا ... فى سليمان عن سواء السبيل