ومائتين، فلما كان يوم النوروز من هذه السنة دعا وجوه أهل الموصل إلى قبّة فى الميدان، وأحضر أنواع الملاهى وتجاهر بالشرب والفسوق وفعل المنكرات، وأساء السيرة، ثم طالب أهل الموصل بالخراج عن غلات كانت قد هلكت من البرد. فاشتد ذلك على الناس، وكان لا يسمع بفرس جيد إلا أخذه من صاحبه، وأهل الموصل صابرون على ذلك كله منه. إلى أن وثب رجل من أصحابه على امرأة فأخذها من الطريق. فامتنعت واستغاثت. فقام رجل من أهل القرآن والصلاح اسمه إدريس الحميرى فخلّصها من يده. فعاد الجندى إلى ابن اساتكين فشكا من إدريس.
فأحضره وضربه ضربا شديدا من غير أن يكشف عن الأمر. فاجتمع وجوه أهل الموصل بالجامع وقالوا: قد صبرنا على أخذ الأموال وشتم الأعراض وإبطال السنن وإظهار البدع فلا نصبر على أخذ الحريم. واتفقوا على أن يشكوه إلى الخليفة، فبلغه الخبر فركب فى جنده ومعه النفّاطون، فخرجوا إليه ولقوه وقاتلوه قتالا شديدا حتى أخرجوه عن الموصل، ونهبوا داره وأصابه حجر فشجّه، ومضى من يومه إلى سامرا، فاجتمع أهل الموصل إلى يحيى بن سليمان وقلّدوه أمرهم، فبقى كذلك إلى أن انقضت سنة ستين ودخلت إحدى وستين، فكتب اساتكين إلى الهيثم «١» بن عبد الله بن المعمر التغلبى ثم العدوى «٢» فى أن يتقلّد الموصل، وأرسل إليه الخلع واللواء وكان بديار ربيعة، فجمع جموعا كثيرة وسار إلى الموصل، فنزل بالجانب الشرقى وبينه وبين البلد دجلة فقاتلوه، فعبر إلى الجانب الغربى وزحف إلى باب البلد، فخرج إليه يحيى بن سليمان فى أهل الموصل فقاتلوه، فقتل منهم قتلى كثيرة وكثرت الجراحات، وعاد الهيثم عنهم فاستعمل اساتكين على الموصل إسحاق ابن أيوب التغلبى؛ فخرج فى عشرين ألفا منهم حمدان بن حمدون التغلبى