وآكل وأنا فى عافية؛ وقال فى مرضه: أطبق ديوانى على مائة ألف مرتزق، ما أصبح فيهم أسوأ حالا منّى، ووصل إلى داره لليلتين خلتا من صفر، وشاع موته بعد انصراف أبى الصقر من داره، وكان قد تقدّم بحفظ ابى العباس فأغلقت عليه الأبواب. قال: ووجّه أبو الصقر إلى المدائن فحمل منها المعتمد وأولاده وجىء بهم، فلما رأى غلمان الموفّق ما نزل بمولاهم كسروا الأبواب المغلقة على أبى العباس، فظن أنهم يريدون قتله فأخذ سيفه فى يده، وقال: والله لا يصلون إلىّ وفىّ شىء من الروح، فلما وصلوا إليه رأى غلامه وصيفا فألقى السيف من يده، وعلم أنّهم لا يريدون إلا الخير، وأخرجوه وأقعدوه عند أبيه وكان قد اعترته غشية، فلما أفاق ورآه قرّبه وأدناه إليه؛ وأما أبو الصقر فإنه لما حصل الإرجاف بموت الموفّق جمع القوّاد والجند وقطع الجسرين، وحاربه قوم من الجانب الشرقى فقتل منهم قتلى، فلما ظهر أن الموفّق حىّ حضر عنده محمد بن أبى الساج وفارق أبا الصقر، وتسلل القواد والناس عن ابى الصقر، فلما راى ذلك ابو الصقر حضر هو وابنه دار الموفّق، وذكر أن أبا الصقر أراد أن يتقرب إلى المعتمد بمال الموفّق واسبابه، وأشاعوا ذلك عنه عند أصحاب الموفّق، فنهبوا دار أبى الصقر وما يجاوره من الدور، وأخرجوا نساءه حفاة بغير أزر، وكسرت أبواب السجون وحرج من فيها. قال: وخلع الموفّق عند إفاقته على ابنه أبى العباس وعلى أبى الصقر، وركبا جميعا فمضى أبو العباس إلى منزله وجاء أبو الصقر إلى منزله وقد نهب، فطلب له حصيرة يجلس عليها عارية، ثم مات الموفق فى التاريخ الذى ذكرناه، وجلس ابنه أبو العباس للتعزية، وكان الموفّق عاد لأحسن السيرة يجلس للمظالم وعنده القضاة والفقهاء وغيرهم، فينصف الناس بعضهم من بعض، وكان عالما بالأدب والنسب والفقه وسياسة الملك.