إن هذا دهن طيب، إلا أن فيه حرارة فتصبّر عليه، فإن ريحك ريح الإبل وأنا أعافك، ثم أشمّته الدهن على الموسى، ورفعته فوضعته بين عينيه فاستلتت بها أنفه. وقالت:
قم إلى إبلك يابن الخبيثة، فأتى صاحبه، فلما رآه. قال: أمقبل أنت أم مدبر؟
قال: أخزاك الله، أو قد عمى بصرك؟
إذ لا ترى أنفا ولا أذنين ... أما ترى وبّاصة العينين
هذا أحد الأقوال في هذا المثل: يضرب لمن يؤمر بالصبر على ما يكره. ويقال:
إن أعرابيا قدم الحضر بإبل، فباعها بمال كثير وأقام لحوائج له، ففطن قوم من جيرته لما معه من المال، فعرضوا عليه تزويج جارية وصفوها بالجمال والحسب طمعا في ماله، فرغب فيها فزوّجوه إياها، ثم اتخذوا طعاما وجمعوا الحىّ، وجلس الأعرابىّ في صدر المجلس، فأكلوا الطعام وأداروا الكؤوس وشرب الأعرابىّ، ثم أتوه بكسوة فاخرة، فلبسها وقدّموا له مجمرة فيها بخور لا عهد له به، وكان لا يلبس السراويل، فلما جلس على المجمرة، سقطت مذاكيره في النار، فظن أن ذلك سنّة لا بدّ منها، واستحيا أن يكشف ثوبه. فقال: صبرا على مجامر الكرام، فذهبت مثلا واحترقت مذاكيره، وتفرّق القوم، وارتحل إلى البادية وترك المرأة والمال، فلما وصل إلى قومه وقصّ عليهم القصة. قالوا: است لم تعوّد المجمر، فذهبت مثلا: يضرب لمن لا قديم له.
وقولهم:«صار الزّجّ قدّام السّنان» : يضرب في سبق المتأخّر المتقدّم من غير استحقاق لذلك.
وقولهم:«صرّح المحض عن الزّبد» : يضرب للأمر إذا انكشف وتبيّن.