والناس حوله، فوقف على تلّ عال بعيد من المعركة فأرسل إليه قواده يسألونه التّقدّم مرة بعد أخرى، فلما ألحّوا عليه تقدّم من موضعه فانهزم أصحابه قبل وصوله إليهم. وكان قد أمر فنودى.
«من جاء بأسير فله عشرة دنانير ومن جاء برأس فله خمسة» .
فلما انهزم أصحابه لقيه علىّ بن يلبق- وهو من أصحاب مؤنس- فترجّل وقبل الأرض وقال له: أين تمضى؟ ارجع، فلعن الله من أشار عليك/ بالحضور! فأراد الرّجوع، فلحقه قوم من المغاربة والبربر، فتركه علىّ وسار، فشهروا سيوفهم فقال: ويحكم أنا الخليفة! فقالوا:
قد عرفناك يا سفلة، أنت خليفة إبليس، تبذل فى كلّ رأس خمسة دنانير وفى كلّ أسير عشرة دنانير. وضربه أحدهم بسيفه على عاتقه فسقط إلى الأرض، وذبحه بعضهم- وقيل إنّ علىّ بن يلبق رمز إلى بعضهم فقتله- وذلك فى يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوّال سنة عشرين وثلاثمائة.
قال «١» : ولما قتل رفعوا رأسه على خشبة وهم يكبّرون ويلعنونه، وأخذوا جميع ما عليه حتى سراويله، وتركوه مكشوف العورة إلى أن مرّ به رجل أكّار فستره بحشيش، ثم حفر له فى موضعه ودفن، وعفا قبره. هذا ومؤنس فى الراشدية لم يشهد الحرب، فلما حمل رأس المقتدر إليه بكى ولطم وجهه ورأسه وقال: يا مفسدون ما هكذا أوصيتكم، والله لنقتلنّ كلّنا، وأقلّ ما فى الأمر أن تظهروا أنكم قتلتموه خطأ ولم تعرفوه!