ونزل ملك الروم أيضا على طرسوس وحصرها وجرى بينه وبين أهلها حروب كثيرة سقط فى بعضها الدمستق ابن الشمشقيق «١» إلى الأرض وكاد يؤسر فقاتل عليه الروم وخلصوه. وأسر أهل طرسوس بطريقا كبيرا من بطارقة الروم، ورحل الروم عنهم لاشتداد الغلاء والعناء.
وكان نقفور «٢» ملك الروم قد بنى بقيسارية «٣» مدينة وأقام بها بأهله ليقرب من بلاد الإسلام، فلما كان فى سنة أربع وخمسين أرسل أهل طرسوس والمصيصة إليه يبذلون الطاعة ويطلبون منه أن ينفذ إليهم بعض أصحابه ليقيم عندهم، فعزم على إجابتهم إلى ذلك فأتاه الخبر أنهم قد ضعفوا وعجزوا وأنهم لا ناصر لهم وأن الغلاء قد اشتد عندهم وعدموا القوت وأكلوا الكلاب والميتة وكثر فيهم الوباء فيموت منهم فى اليوم ثلاثمائة نفس، فرجع نقفور عن إجابتهم وأحضر الرسول وأحرق الكتاب على/ رأسه فاحترقت لحيته وقال لهم: أنتم كالحية فى الشتاء تخدر وتذبل حتى تكاد تموت، فإن أخذها إنسان وأحسن إليها وأدفأها انتعشت ونهشته، وأنتم إنما أطعتم لضعفكم، وإن تركتم حتى تستقيم أحوالكم تأذّيت بكم!