/ كان عبد الرحمن هذا بذات الزّيتون «١» ففرّ منها إلى فلسطين، فأقام بها هو ومولاه بدر يتجسّس له الأخبار، فحكى عنه أنه قال:
«لما أعطينا الأمان ثم نكث بنا بنهر أبى فطرس «٢» أتانى الخبر وكنت منتبذا عن الناس. فرجعت إلى منزلى آيسا ونظرت فيما يصلحنى وأهلى، وخرجت خائفا حتى صرت إلى قرية على الفرات ذات شجر وغياض. فبينا أنا ذات يوم فيها وولدى سليمان يلعب بين يدى- وهو يومئذ ابن أربع سنين- فخرج عنى ثم دخل علىّ باكيا فزعا، فتعلق بى وجعلت أدفعه، وخرجت لأنظر فإذا بالخوف قد نزل بالقرية والرايات السّود منحطّة عليها وأخ لى حدث يقول لى: النجاة النجاة! فأخذت دنانير معى ونجوت بنفسى وأخى وأعلمت أخواتى بمقصدى وأمرتهنّ أن يلحقننى مولاى بدرا [- قال-] وأحاطت الخيل بالقرية فلم يجدوا لى أثرا. فأتيت رجلا من معارفى وأمرته فاشترى لى دوابّ وما يصلحنى فدلّ علىّ عبد له العامل، فأقبل فى خيله يطلبنى فخرجنا على أرجلنا والخيل تبصرنا، فدخلنا الفرات فسبحنا فنجوت أنا والخيل ينادون بالأمان وأنا لا أرجع وأما أخى فإنه عجز عن السباحة فى نصف الفرات فرجع إليهم بالأمان، فقتلوه وأنا أنظر إليه وهو ابن ثلاث عشرة سنة فاحتملت ثكله/ ومضيت وتواريت فى غيضة حتى انقطع الطّلب عنى. وخرجت فقصدت