هذا قد ترشّح لطلب هذا الأمر لنفسه، وعزم على خلع هشام المؤيد، فبلغ ذلك المظفر عبد الملك فقتل هشام بن عبد الجبار قبل أن يستحكم أمره فى سنة تسع وتسعين. وكان محمد بن هشام جسورا مقداما شجاعا، ولم يتهيأ له أمر لهيبة عبد الملك واجتماع جنده، فلم يزل محمد يترصّد الأمر حتى مات عبد الملك وولى عبد الرحمن. وتطاول لولاية العهد ونالها، وخرج للغزاة- على ما قدّمنا- فخلا البلد من الجند. وقوّى عزم محمد رجلان وهما حسن بن حىّ الفقيه ومطرف بن ثعلبة. وكان محمد يعاشر فى مدة استتاره قوما من الصعاليك لهم إقدام على كل عظيمة، فدسّ بعضهم إلى بعض وأعطاهم من خمسة مثاقيل إلى عشرة وأكثر من ذلك، فاجتمع له منهم نحو أربعمائة رجل./ وطاوعه على ذلك جماعة من المروانيين لخروج الأمر عنهم وصرفه إلى أبى عامر.
وكان عبد الرحمن قد رتّب أمور البلد قبل مسيره، وجعل النظر فى الأموال وتدبير البلد إلى أحمد بن حزم وعبد الله بن سلمة المعروف ابن الشرس، وجعل على المدينة عبد الله بن عمرو المعروف بابن عسفلاجة وهو أحد بنى أبى عامر. وظن شنشول أن الأمور لا تتغير وأن دولتهم قد استحكم أمرها، هذا ومحمد فى تقرير حاله، فشنع الناس أنّ قائما يقوم على بنى الأغلب، فبلغ ابن عسفلاجة الخبر فأظهر البحث وبالغ فى الكشف فلم يتبيّن له شىء وهجم دورا كثيرة فلم يقف على أمر واضح.
فلما كان فى يوم الثلاثاء النصف من جمادى الآخرة مات ابن عبد الجبار بقرطبة، وتقدم إلى ثلاثين رجلا من كفاة أصحابه