محمد بن إسماعيل فى يوم الجمعة إلى الجامع بمدينة إشبيلية، ومشى هو وبنوه بين يديه رجّالة حتى أتى المسجد، فخطب الناس وصلى بهم الجمعة. وبايعه محمد بن إسماعيل وبنوه وجميع أهل البلد ورجع إلى موضعه، وتولّى محمد بن إسماعيل الخدمة بين يديه وجرى فى ذلك على طريقة ابن أبى عامر، غير أنه يخرج إلى الجمعة والأعياد ويصلى طول مدته، ومحمد فى رتبة الوزارة آمرا وناهيا عنه، واستقام لمحمد أكثر مدن الأندلس، فهذا كان سبب قيام دعوته.
وأما ما نقل من أخباره فقد ذكرنا فى أخبار بنى أمية أن/ المستعين بالله سليمان بن الحكم لما فتح قرطبة المرة الثانية فى شوّال سنة ثلاث وأربعمائة أحضره ووبّخه، وأن المؤيد فقد لخمس خلون من شوال.
وذكرنا أيضا أنّ الناصر علىّ بن حمّود الفاطمىّ لما ملك قرطبة أحضر المستعين وسأله بحضرة الفقهاء والوزراء عن المؤيد هشام فقال «مات فألزمه أن يريه قبره فأخرجه دفينا لا أثر فيه فأمر الناصر بتكفينه ودفنه فى الروضة.
وقيل بل هرب بنفسه إلى المشرق مستخفيا حتى وصل إلى مكة- شرّفها الله- وكان معه كيس فيه جوهر وياقوت ونفقة، فشعر به حرّابة مكة، فأخذوه منه، فمال إلى جهة من الحرم وأقام يومين لم يطعم طعاما. فمضى إلى المروة فأتاه رجل فقال له تحسن عمل الطين؟ قال: نعم! فمضى به إلى تراب ليعجنه ووافقه على درهم وقرصة، فقال له: عجّل القرصة فإنى جائع! فأتاه بها فأكلها، ثم عمد إلى التراب فكان مرة يعجن ومرة يجلس، فلما طال عليه ذلك تركه ومضى هاربا على وجهه.