الأمر فى القتال حتى أذّن الظهر «١» فهم الروم بالانصراف جريا على على العادة. فداوم ابن الزبير القتال ساعة أخرى. فاشتد الحر وعظم الخطب حتى لم يبق لأحد من الفريقين طاقة بحمل السلاح فضلا عن القتال به. فعند ذلك رجعوا «٢» إلى خيامهم، ووضعوا أسلحتهم، وسيّبوا خيولهم وألقوا أنفسهم على فرشهم.
فاستنهض عبد الله أبطال المسلمين. فلبسوا دروعهم وركبوا خيولهم فى خيامهم. وتقدم عبد الله بن الزبير فى زى رسول، وقد لبس ثوبا فوق درعه. وقال:«إذا رأيتمونى قد قربت من خيام الروم فاحملوا حملة رجل واحد» . فلما قرب من الخيام كبر المسلمون وهلّلوا، وحملوا فأعجلوا الروم عن لبس دروعهم أو ركوب خيولهم. فانهزمت الروم، وقتل ملكهم، وقتل منهم ما لا يحصى كثرة وهرب من سلم منهم إلى المدينة، وغنم المسلمون ما فى معسكرهم.
وأسرت ابنة الملك وأتى بها إلى عبد الله بن سعد. فسألها «٣» عن أبيها.
قالت:«قتل» . قال:«أتعرفين قاتله؟» قالت: «نعم، إذا رأيته عرفته» . وكان كثير من المسلمين ادعوا قتله. فعرض عليها من ادعى قتله «٤» . فقالت:«ما من هؤلاء من قتله» . فأحضر ابن الزبير. فلما أقبل، قالت:«هذا قاتل أبى» . فقال له ابن سعد:
«ما منعك أن تعلمنا بذلك لنفى لك بما شرطناه؟» فقال:
«أصلحك الله! ما قتلته لما شرطت، والذى قتلته له يعلم ويجازى