فإن أباح ظلمهم لم يصل إليه نفعهم، ولحقه الضرر، وصار النفع لغيره» .
ووقف له رجلان من أهل القيروان، وهو بالمقصورة فى جامع رقادة. فأدناهما إليه وسألهما عن حالهما فقالا له:«كنا شريكين للسيدة. «يعنيان أمه» فى جمال وغيرها. فاحتبست لنا ستمائة دينار» .
فأرسل إليها خادما فقالت:«نعم هو كما ذكرا إلا أن بينى وبينهما حسابا. وإنما احتبست هذا المال حتى أحاسبهما. فإن بقى عليهما شىء وإلا دفعت مالهما إليهما» . فقال للخادم:«ارجع إليها وقل لها: والله لئن لم توجهى بالمال وإلا أوقفتك الساعة معهما بين يدى عيسى بن مسكين» . فوجهت بالمال إليه. فدفعه إليهما وقال:
«أما أنا فقد أنصفتكما فيما ادعيتما، فاذهبا واقطعا حسابها وإلا فأنتما أعلم» .
وكان إذا تبين له الظلم قبل أحد من أهل بيته وولده بالغ فى عقوبته والإنصاف منه. فكان ولده ورجاله يوم الخميس يأمرون «١» عبيدهم ورجالهم أن يطوفوا فى الأزقة والفنادق، ويسألوا: هل أتى شاك أو متظلّم من عبد أو وكيل؟ فإذا وجدوا أحدا أتوا به إلى دار ولد الأمير أو قرابته فينصفه.
ومن مساوىء أفعاله أنه أسرف فى سفك دماء أصحابه وحجابه حتى يقال إنه افتقد منديلا كان يمسح به فمه من شرب النبيذ- وكان قد سقط من يد بعض جواريه فأصابه خادم- فقتله وقتل بسببه ثلاثمائة خادم. وهذا غاية فى الجور ونهاية فى الظلم.