المهدى من أهل الجبل. فخرج يوما لصلاة الصبح، فرأى إلى جانب محرابه إنسانا طيب الرائحة، فأظهر أنه لا يعرفه وقال:«من هذا؟» قال: «أنا أبو عبد الله الونشريسى» . فقال له المهدى:«إن أمرك لعجيب» . ثم صلى. فلما فرغ من صلاته نادى فى الجبل. فاجتمع الناس وحضروا إليه. فقال لهم:
«إن هذا الرجل يزعم أنه الونشريسى، فانظروه وحققوا أمره» .
فلما أضاء النهار عرفوه. فقال له المهدى:«ما قصتك؟» قال: «إننى أتانى الليلة ملك من السماء، فغسل قلبى، وعلمنى القرآن والموطأ وغيره من العلوم والأحاديث» . فبكى المهدى بحضرة الناس ثم قال:«نمتحنك؟» فقال: «افعل» .
وابتدأ بقراءة القرآن فقرأه قراءة حسنة من أى موضع سئل.
وكذلك الموطأ وغيره وكتب الفقه والعلوم والأصول. فعجب الناس من ذلك واستعظموه.
ثم قال:«إن الله قد أعطانى نورا أعرف به أهل الجنة من أهل النار، وآمركم أن تقتلوا أهل النار وتتركوا أهل الجنة، قد أنزل الله تعالى ملائكة إلى البئر الفلانية يشهدون بصدقى» .
فسار المهدى والناس معه وهم يبكون إلى تلك البئر. ووقف عند رأسها وصلى وقال:«يا ملائكة الله، إن أبا عبد الله قد زعم كيت وكيت» . فسمع من أسفل البئر:«صدق، صدق» وكان قد رتب بها رجالا يفعلون ذلك. فلما تكلموا قال المهدى: «إن هذه البئر بئر مطهّرة مقدّسة قد نزل إليها