بعد، فإن أهل الكوفة نفخ العلانية، خور السريرة، هرج فى الرخاء «١» ، جزع فى اللقاء، تقدمهم ألسنتهم، ولا تشايعهم قلوبهم. ولقد تواترت إلى كتبهم بدعوتهم، فصممت عن ندائهم وألبست قلبى غشاء عن ذكرهم يأسا منهم واطراحا لهم. وما لهم مثل إلا ما قال «٢» على بن أبى طالب رضى الله عنه: إن أهملتم خضتم، وإن حوربتم «٣» خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجبتم إلى مشاقّة نكصتم» فلم يصغ زيد إلى شىء من ذلك وأقام على حاله يبايع الناس ويتجهز للخروج.
وتزوج بالكوفة ابنة يعقوب بن عبد الله السلمى. وتزوج أيضا ابنة عبد الله بن أبى العنبس الأزدى. وكان سبب تزوجه إياها أن أمها أم عمرو بنت الصلت كانت تتشيع، فأتت زيدا تسلم عليه، وكانت جميلة حسنة قد دخلت فى السن ولم يظهر عليها. فخطبها زيد إلى نفسها «٤» . فاعتذرت بالسن وقالت له:«لى بنت «٥» هى أجمل منى وأبيض وأحسن دلا وشكلا» فضحك زيد ثم تزوجها وكان ينتقل بالكوفة تارة عندها، وتارة عند زوجته الأخرى، وتارة فى بنى عبس، وتارة فى بنى نهد، وتارة فى بنى تغلب «٦» وغيرهم إلى أن ظهر.